الأسباب الدافعة إلى استخدام الوسائط المتعددة في التعليم:
هناك جملة من الأسباب التي استدعت استخدام الوسائط المتعددة بحيث أصبح هذا الاستعمال ضرورة لا غنى عنه في تحقيق أهداف التربية والتكوين ومن هذه الأسباب الانفجار المعرفي والانفجار السكاني وثورة المواصلات والاتصالات والثورة التكنولوجية وما يترتب عليها من سرعة انتقال المعرفة، كلها عوامل تضغط علىالمؤسسة التربوية من أجل مزيد من الفعالية والاستحداث والتجديد لمجاراة هذه التغيرات. ولقد لجأت دول العالم إلى استخدام هذه التقنيات بدرجات متفاوتة لمواجهة هذه الضغوط والتحديات.
أولا: الانفجار المعرفي:
تعيش البشرية الآن زمن صنع المعرفة بشكل متزايد وسريع حيث تطل علينا في كل يوم اختراعات واكتشافات وأبحاث جديدة في كافة المجالات المعرفية ولما كان الهدف من التربية في الأساس نقل المعرفة من الجيل الذي توصل إليها للجيل الذي بعده، أصبحت التربية تتسم بالاستمرارية، ولكي تحافظ على هذه الاستمرارية كان لابد لها من استخدام الوسائل التكنولوجية ، ويمكن تصنيف الانفجار المعرفي من عدة زوايا :
- النمو المتضاعف وزيادة حجم المعارف، لما تتيحه التقنيات من مَعين (منجم)معرفي لا ينضب في مختلف التخصصات وشتى الميادين.
- استحداث تصنيفات وتفريعات جديدة للمعرفة، مما أدى إلى سهولة الحصول على المعلومة بأسرع وقت وأقل تكلفة.
- ظهور تقنية جديدة بدأ استعمالها في العملية التعليمية لنقل المعلومة والاحتفاظ بها مثل التلفزة والفيديو والسبورة التفاعلية والكومبيوتر، الشيء الذي عرف بأكثر من طريقة للتدريس ووفر ترسانة بيداغوجية من الطرق والنهوج والاستراتيجيات ...
- زيادة في عدد المتعلمين مما أدى إلى زيادة الإقبال على البحث العلمي الذي أدى بدوره إلى زيادة حجم المعرفة واستقائها من مظانها الأصلية.
ثانيا: الانفجار السكاني:
يعيش عالمنا اليوم مشكلة حادة وخطيرة تتمثل بزيادة عدد السكان وما يرافق هذه الزيادة من مشكلات اقتصادية واجتماعية وتربوية ولعل المشكلة التربوية من أهم تحديات العصر الراهن حيث تواجه التربية في كل مكان مشكلة زيادة عدد طالبي العلم والمعرفة لإدراك الأمم ما في المعرفة من فائدة ونفع ولعلمها بأن أرقى أنواع الاستثمار هو الاستثمار العلمي الذي يقود إلى الاستثمار البشري فأتاحت الفرصة للتعليم أمام كل المواطنين بغض النظر عن ظروفهم المادية والصحية والاجتماعية ليصبح واحدا من حقوق المواطنة التي تقاس بها حضارية الأمة مما دفع بتلك الأمم إلى فتح مدارس جديدة وتسخير الإمكانيات الطبيعية والمادية لكل مدرسة والإمكانات البشرية والعلمية قدر الإمكان مما ألجأها بالتالي إلى استخدام الوسائل التكنولوجية المبرمجة في التعليم لأجل تأمين فرص التعليم وإتاحته لأكبر عدد ممكن من طالبيه .
ثالثا: انخفاض الكفاءة التربوية:
إن انخفاض الكفاءة في العملية التربوية عملية معقدة ومركبة تتضمن مناحٍ عديدةً وفي كل منحى نجد حلقة مفقودة:فالتلاميذ ينسلون هاربين من مدارسهم، والذين حاربوا أميتهم عادوا إلى أميتهم مرة أخرى، والذين ينتهون من مرحلة تعليمية لا يتأقلمون بسرعة مع المرحلة التي تليها، أما الذين أكتفوا بما حصلوه من معارف وخرجوا إلى الحياة العملية لم يجدوا فيما تعلموه ما يرتبط بحياتهم اليومية أو ما يعينهم على مواجهة صعوبات الحياة.كما أن تركيز المدرسين في تعليمهم على هدف تحصيل المعلومات وحفظها من أجل الامتحان فقط وإهمالهم المهارات العقلية والحركية والخلقية وتكوين القيم والمثل والتدريب على التفكير السليم كل هذه أمور فشلت كثير من المنظومات التربوية للأمم في تحقيقها، ولكي تراجع التربية أهدافها وتطور أساليبها لزيادة كفاءتها وعائدها وجب عليها استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال في العملية التربوية لربط التربية بالحياة وإثارة دافعية التعلم لدى المتعلم وتكوين المهارات السليمة والتدريب على أنماط العقل النقدي التحليلي الابتكاري .
رابعا: الفروق الفردية بين المتعلمين:
قاد الانفجار السكاني واهتمام الأمم بالتعليم باعتباره أرقى أنواع الاستثمار الإنساني إلى اتساع القاعدة الطلابية وهذا قاد بدوره إلى عدم تجانس الفصول التعليمية فظهرت الفروق الفردية للمتعلمين داخل الفصل الدراسي الواحد فقد يتفقون في العمر الزمني إلا أنهم يختلفون في العمر العقلي مما يؤدي بالنتيجة إلى اختلاف القدرات والاستعدادات والميول والرغبات .
وقد لا تكون مشكلة الفروق الفردية واضحة المعالم في المرحلة التعليمية الأولى إلا أن ظهورها يتوالى بروزا منذ المرحلة المتوسطة ثم تشتد في المرحلة الثانوية لتكون في المرحلة الجامعية على أشدها .
وحتى تتجاوز النظم التربوية إشكالية الفروق الفردية لابد من اللجوء إلى استخدام الوسائط المتعددة لما توفره هذه الوسائل من مثيرات متعددة النوعية وعرضها لهذه المثيرات بطرق وأساليب مختلفة تتيح للمتعلم فرصة الاختيار المناسب منها الذي يتفق مع قابليته ورغباته وميوله.
خامسا: تطوير نوعية المدرسين:
المدرس المعاصر يواجه تحديات عديدة تتمثل بالتطور التكنولوجي ووسائل الإعلاموازدحام الفصول والقاعات الدراسية وتطور فلسفة التعليم مما جعل إعداده عملية معقدة وطويلة ولا يمكن أن يكتفي بهذا الإعداد قبل الخدمة بل أصبح يدرب ويعاد تدريبه أثناء الخدمة ليساير هذه التطورات ويتمكن من مواجهة تحديات العصر .
لم تعد التربية الحديثة تنظر إلى المدرس نظرة "الملقن" للمتعلمين بل ترى فيه الموجه والمرشد والمصمم للمنظومة التعليمية داخل الفصل التعليمي بما يقوم به من تحديد الأهداف الخاصة بالدرس وتنظيم الفعاليات والخبرات واختيار أفضل الوسائط لتحقيق أهدافه التربوية ووضع استراتيجية تمكنه من استخدامها في حدود الإمكانات المتاحة له داخل البيئة المدرسية.
إذا نظرنا إلى المدرس بهذا المواصفات التربوية المعاصرة ستظهر مشكلة هامة تتمثل بقلة عدد المدرسين المتصفين بهذه الصفات علميا وتربويا ومن أجل معالجة هذه الإشكالية كان لابد من اللجوء إلى استخدام الوسائط المتعددة.
سادسا: تشويق المتعلم في التعلم:
إن طبيعة الوسائل التكنولوجية سواء أكانت مواد تعليمية متنوعة أو أجهزة تعليمية أو أساليب عرض طبيعة تتصف بالإثارة لأنها تقدم المادة التعليمية بأسلوب جديد، سهل وبسيط يختلف عن الطريقة اللفظية التقليدية، وهذا ما يحبب إلى نفس المتعلم ما يتعلمه، ويثير لديه الرغبة فيه ويقوي لديه الاستقلالية في التعلم والاعتماد على النفس.
كما أن التعليم التكنولوجي يتيح للمتعلم أنماطا عديدة من طرق العرض بإخراج جيد وتناسق لوني جميل مشوق تنمي الحس الفني الجمالي لديه و يتيح له حرية الاختيار للخبرات التعليمية ولأسلوب تعلمه بما يتفق وميوله وقدراته، فيزيد هذا من سرعة التعلم لديه (تسريع التعلم)وقدرته على تنظيم العمل (التركيز على ما هو أساسي فما دون ذلك) وبناء المفاهيم المفيدة لديه.
سابعا: جودة طرق التعليم:
يساعد استعمال الوسائط المتعددة على تكوين مدركات ومفاهيم علمية سليمة مفيدة، فمهما كانت اللغة واضحة في توصيل المعلومة للمتعلم، يبقى أثرها محدودا ومؤقتا بالمقارنة مع أثر استخدام الوسائل التقنية التي تزيد القدرة على الاستيعاب والتذوق، وتعين على تكوين الاتجاهات والقيم، بما تقدمه لهم من إمكانية على دقة الملاحظة، والتمرين على اتباع أسلوب التفكير العلمي، للوصول إلى حل المشكلات، وترتيب واستمرار الأفكار التي يكونها المتعلم؛ كما أنها توفر لديه خبرات حقيقية تقرب واقعه إليه، مما يؤدي إلى زيادة خبرته، فتجعله أكثر استعدادا للتعلم والتكوين والتقويم الذاتيين؛ مما يضفي على التعليم صبغة العالمية والخروج من الإطار المحلي الضيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق